بالنسبة إلى علاقتنا بالناس، فإن كل حق نطالب به لابد أن يُقابله واجب نؤديه ورُبَّما عدَّة واجبات. أمَّا بالنسبة إلى علاقتنا باللَّه جلَّ جلاله فإننا لا نطالب بحقوق بل كل ما نأخذه هو في نطاق النعمة أو الهبة التي يمنحنا اللَّه إيَّاه. ويدخل في هذا النطاق ما وهبه اللَّه لنا من نعمة الوجود ونعمة الحياة ونعمة العقل ونعمة الرعاية...
كذلك فإنَّ الحقوق التي ننالها ينبغي أن نستخدمها بحكمة ولياقة. وأيضًا من جهة ما نناله من اللَّه من النِّعم والمواهب، فإنَّ اللَّه قد وهبنا نعمة الحياة. وكذلك من حقنا على المجتمع أن نحيا. ولكن يُقابل ذلك عِدَّة واجبات: فواجبنا أن نستخدم حياتنا في الخير، وأن نحافظ على هذه الحياة لتكون نافعة لنا ولغيرنا. كما أنه من واجبنا المحافظة على حياة غيرنا. وإن اعتدى أحد على حياة غيره بالقتل مثلًا، لا يكون هو مستحقًا للحياة، فتؤخذ نفسه منه عوضًا عن حياة غيره التي أهدرها. وبهذا يحكم المجتمع ويُنفِّذ. حياتنا هى أيضًا وديعة أودعها اللَّه إيانا. ومن واجبنا أن نستثمرها، ولا تكون عبئًا على المجتمع، بل تكون مصدر نفع له. فحياتنا جزء من حياة المجتمع، له فيها نصيب، ومن واجبنا أن نمنحه هذا النصيب. فلا نعيش لأنفسنا فقط، وإنما نعيش أيضًا للغير على قدر ما نستطيع. وأحيانًا نرى من واجبنا أن نبذل حياتنا لأجل الغير في حب أو لأجل اللَّه أيضًا. وفي هذا يكون الاستشهاد وتكون التضحية... وفي قمة الذين سجل التاريخ أسماءهم، هم الذين عاشوا حياتهم لأجل غيرهم أو من أجل أوطانهم أو شعوبهم.
St-Takla.org Image: The right, word in Arabic
صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الحق
لقد وهبنا اللَّه نعمة الوجود. وهذه النعمة تقابلها واجبات. ومن العجيب أن يظن إنسان أنه موجود، بينما لا يشعر العالم بوجوده! ذلك لأنه لم يقم بواجب أو بعمل تشعر العالم به! فهل من حق الإنسان في الوجود، أن يكون فراغًا لا يمتلئ المجتمع بشيء منه؟! أم أن حقه في الوجود معناه أن يكون له وجود فعال، وفعَّال في الخير... وهناك أشخاص امتدت فعاليتهم حتى بعد وفاتهم... فظلوا موجودين فيما تركوه من أثرٍ باقٍ. على أن كثيرًا من الناس يظنون أن حياتهم تمتد في أولادهم وفي أسمائهم وفي عملهم. ولكن ماذا عن ذات كل واحد منهم؟ حقًا إن الوجود ليس مُجرَّد أنفاس تتردد، بل هو حياة تبقى وتستمر فعاليتها.
من حق الإنسان أيضًا أن يتمتع بالحرية. وقد خلقنا اللَّه أحرارًا ولكن من واجبنا أننا لا نحول هذه الحرية إلى لون من التسيب. فالحرية التي وهبنا اللَّه إيَّاها تقابلها واجبات كثيرة أن نحفظ وصايا اللَّه، وأن نعيش في نقاوة وبر. وأيضًا الحرية التي تعتبر حقًا لنا في المجتمع يقابلها واجبات أهمها عدم التعدي على حقوق الآخرين وعلى حرياتهم، وعدم مخالفة نصوص القانون والنظام العام.
من حق الإنسان أيضًا أن يتمتع بالراحة. على أن تكون هذه الراحة في الوقت المناسب وبالقدر المناسب. ومن واجبه أن لا يبني راحته على تعب الآخرين، وألا تتحوَّل راحته إلى لون من الكسل أو التراخي. كما لا يطلب الراحة على حساب عمله والإخلاص لواجباته.
هناك نقطة أخرى وهى حق العمل. وكل إنسان يطالب بحقه في أن يعمل. والبطالة هى خطر على الأفراد وعلى المجتمع. ولكن هل العمل هو منحة يُقدمها لك المجتمع، أمَّأ هى طاقة كامنة فيك قادرة على العمل، فحيثما أن توجد ينبثق منك العمل؟ أم أنت أداة يأخذك غيرك ويعمل بك، ويوظفها حسبما يريد. وتصبح أنت موظفًا. ويكون من حقك أجر على عملك مرتب لك؟ لذلك الحق في العمل تقابلها واجبات من أهمها اتقان العمل والنجاح فيه عدم التبرم به. والإنسان الذي يعمل بضمير حي هو الذي يُقدِّم في عمله إنتاجًا أوفر وإتقانًا أكثر. وأمثال هؤلاء يطلبهم أصحاب العمل، دون أن يطلبوا هم عملًا.
هناك أيضًا حقوق اجتماعية. من حق الإنسان الناضج أن تكون له أسرة إذا أراد. ولكن واجبه حسن المعاشرة وحسن التعامل داخل الأسرة، لئلًا ينتهى الزواج بالطلاق. وفي داخل الأسرة من حق الأبناء أن ينالوا الرعاية الكاملة من الآباء والأمهات ومن واجبهم اكرام الوالدين وطاعتهما.
من حق الوالدين أن يكون لهما أبناء. ومن واجبهما مرعاة تنظيم الأسرة، فلا ينجبان بأسلوب يؤدى إلى التضخم السكانى وما يتبعه من مشاكل اقتصادية واجتماعية.
ومن حق الإنسان أن يتمتع بالحب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومن واجبه أن يكون نزيهًا طاهرًا في محبته للغير. ومن جهة محبته للجنس الآخر ينبغي ألا تتحول إلى شهوة جسدية تقود إلى نجاسة. ومن واجب الإنسان في الحب أن يبعد عن الأنانية، بل يحب الآخرين ويبذل من أجلهم ويحتمل. وأن يجعل محبته مشاعًا للكل بلا تمييز.
من حق الإنسان أن يكون له سكن يأوى إليه. ومن واجبه أن يحرص على حسن الجوار. كما يجب عليه الحرص على جمال ونظافة البيئة التي يعيش فيها.
من حق الإنسان أن يمتلك وأن يقتنى وأن يربح. ومن واجبه أن يكون ذلك في حدود المعقول، وفي نطاق الربح الحلال، بعيدًا عن الطمع وعن الاحكتار. وله أن يملك المال، ولكن لا يسمح للمال أن يملكه ويصبح هدفه في الحياة. كما أن من واجبه أيضًا أن يستخدم ماله فى الخير بقدر امكانياته أو بقدر استطاعته. وأن يعطى منه للمحتاجين والمعوزين.
هناك أيضًا للإنسان حقوق سياسية: أولها حق المواطنة الكاملة. يقابلها واجب في الولاء للوطن واحترام الدولة ومؤسساتها وقوانينها. ومن حقوقه السياسية أيضًا حق الانتخاب في حدود النظام العام. ومن واجبه الادلاء بصوته حسب ضميره.
من حقه أيضًا الدفاع عن نفسه. ومن واجبه أن يكون صادقًا وعادلًا في دفاعه. ولا يظلم غيره ويلقى عليه التبعة دون وجه حق. ومن حقه أيضًا إبداء رأيه ونشره، واستخدام حرية الصحافة. ولكن هذا كله تقابله واجب الحفاظ على صدق المعلومات التي ينشرها، وأيضًا الحفاظ على سمعة الآخرين وعدم التشهير بهم. وأن يحتفظ بأدب الحوار. فله أن يتكلم أو يكتب. وواجبه أن يكون ذلك بحق ولياقة.