التلوث : تحد كبير ومأزق خطير

التلوث : تحد كبير ومأزق خطير

سوف نتناول بشيء من التفصيل المختصر موضوع التلوث واسبابه وتأثيراته المختلفة ,ونقف على بعض وسائل تحجيمه كمحاولة للتقليل من مخاطره والحد من تأثيره. وذلك في محاولة متواضعة ليست الاولية لاسترعاء الانتباه لهذه المشكلة التي تفاقمت في الاونه الاخيرة حتى اصبحت المؤتمرات والندوات تعقد على شرفها ليس على مستوى الباحثين والعلماء فحسب بل ايضا على مستوى رؤساء الحكومات والدول وصنّاع القرار فيها.
وقد أرتأينا ان نتاول هذا الموضوع وطرح الافكار فيه من خلال ثلاث اجزاء تجنبا للعناء الذي قد يصاحب قراءة مواضيع طويلة اولا واحتراما لوقت القراء ثانيا, ولاحتواء قدر معقول من المعلومات ثالثا.


الجزء الاول : التلوث البيئي

مقدمة

يعتبر التلوث البيئي احدى اهم المشاكل التي امست تطال حياة كافة المخلوقات البشرية وغيرها, والتي لها تأثير مباشر على حياتها ولاجيال عديدة قادمة , فهي ظاهرة خطيرة تغلغلت في حياة الانسان خاصة ومن نواحي وجوانب متعددة, فسبت له التشتت بسبب تنوع مصادر الخطر واشكاله ونتائجه, فالهواء والماء والغذاء المصادر الثلاثة الرئيسة لحياة الانسان الجسدية قد اصابها التلوث بطريقة مباشرة او غير مباشرة. ولم تكن هذه الظاهرة ان تترك لتستمر بالتفاقم والانتشار, لذلك فقد شخدت الكثير من الهمم والجهود ومازالت للحد من هذه الظاهرة, التي يتفق كل العلماء والمنظرين لها انها مهما تعددت اسبابها الا ان المسؤول الاول لها هو الانسان ذاته, الذي يسبب الخطر لنفسه من حيث يدري او لا يدري. فانتخى والحالة هذه اناس اقل ما يقال عنهم انهم محبو للبيئة والطبيعة فقاموا بتشكيل منظمات واحزاب للدفاع عنها والتنبيه لمخاطر تلوثها.

ماهو التلوث؟

يعرف التلوث بشكل عام بانه احداث تغيير في البيئة التي تحيط بالكائنات الحية بفعل الانسان وانشطته اليومية مما يؤدي الى ظهور بعض التغيرات التي لا تتلائم مع المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي مؤدية الى اختلاله (1)

اما انواع التلوث المعروفة لدى الباحثين حتى الوقت الحالي فهي:-
1. تلوث الهواء
2. الضوضاء
3. تلوث الماء
4. تلوث التربة
5. التلوث الضوئي
6. التلوث الاشعاعي
7. التلوث البصري.

ويمكن وضع كل هذه اانواع في فئة واحدة يمكن ان نطلق عليها اسم التلوث المادي. (وللقارئ اللبيب نقول ان المقصود بالمادية هنا ليست وصف العناصر من حيث كتلتها ولكن من حيث شعورنا المادي بها, وعلى هذا الاساس فان تلوث التربة يقع في هذا التصنيف جنبا الى جنب مع التلوث الضوئي. وذلك لكي نميزه عن انواع اخرى من التلوث)
كما اشرنا سابقا ان المسبب الجوهري لمشكلة التلوث هو الانسان نفسه, لانه اي الانسان يدير ويحرك ويخترع كل ما يؤدي الى التلوث الذي يعزى الى التطور والصناعة والتقدم التكنلوجي واستغلال الموارد الطبيعية بسكل سلبي لتحقيق ارباح مادية وغايات متشعبة. وهذا يتفق بوضوح مع فكرة الجانب السلبي للتطور, ولذلك فقد استنبطت الدول الصناعية الكبرى ما سمي بتقييد التطور او (التنمية المشروطة) (2)Sustainable Development , الذي يعزو جانب كبير فيها الى حرص هذه الدول لوضع خطوط حمراء لتطور باقي الدول والمجتمعات, ولاسيما في دول العالم الثالث (3). وجاء مؤتمر الامم المتحدة حول المسائل المتعلقة بالبيئة والذي انعقد في مدينة ( Rio De Janeiro ) في حزيران 1992, ليؤكد ان العوامل البيئية يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في رسم استراتيجيات التطور .
ومنذ ذلك الحين ازداد وعي الدول والحكومات لمخاطر التلوث واخذت العديد منها تمارس مسؤولياتها في توفير البيانات اللازمة لاعداد احصاءات حول مختلف المواضيع المتعلقة بهذه المسألة وذلك لتوفير قاعدة بيانية احصائية لاجراء دراسات وبحوث وتجارب في هذا السياق.(4) وتشير دراسات حديثة صادرة عن قسم الدراسات الاحصائية التابع للامم المتحدة ان عدد الدول التي استجابت لتوفير بيانات حول هذا الموضوع قد وصل الى 78 دولة في عام 2008 بالمقارنة مع 49 دولة في عام 1999, اي بزيادة 60 % وهو ما تعتبره المم المتحدة مؤشرا جيدا".

نتائج التلوث

من البديهي ان نشير الى نتائج التلوث بالاستناد الى انواعه المختلفة, فارتفاع نسبة ثاني اوكسيد الكاربون في الهواء والاضرار التي لحقت بطبقة الاوزون وماترتب عليها من مشاكل بيئية تقع في جانب تلوث الهواء,في حين ان صخب المعامل والمصانع واصوات وسائل النقل المختلفة وغير ذلك يقود الى الضوضاء, كما ان رمي النفايات الصناعية والانسانية في مصادر المياه وحوادث تسرب انواع الوقود خلال عمليات النقل البحري تؤدي الى تلوث الماء, وكذلك الاستخدامات الغير علمية لبعض الاجهزة والمعدات والوسائل الخدمية اضافة الى التجارب النووية والاشعاعية المختلفة تقود الى التلوث الضوئي والاشعاعي ناهيك عن التلوث البصري. اما النتائج الغير مباشرة للتلوث والتي تتفاقم عبر عوامل الزمن فانها على سبيل المثال لا الحصر فانها تشمل التغيرات المناخية والاعاصير , الانفجار السكاني, الامراض المختلفة, نقص الماء والغذاء, خلل في توازن العناصر الطبيعية, الحرائق ... الخ.
وكما يلاحظ كل هذه النتائج لها تماس مباشر بصحة الانسان الجسدية والنفسية, ومن هذا المنطلق وجب مقاومتها بكل الوسائل للحد من تأثيرها او على الاقل حصرها وتحجيمها الى ادنى مستوياتها.

التأثيرات الاقتصادية

وكما هو معلوم فان كل جهد يبذل في هذا السبيل فانه سوف يحتاج الى امكانيات مالية ضخمة توازي ما لهذه المشكلة من اخطار وابعاد افقية وعمودية, ومن الطبيعي وخاصة في دول الغرب وشمال امريكا والتي تعتمد على النظام الضريبي كاحد اهم موارد الدخل للحكومات الفدرالية والمحلية فانه بالنتيجة سوف يتحمل المواطن العادي التبعة المالية الثقيلة لحل هذه المشكلة! فعلى سبيل المثال لا الحصر فان نسبة ضريبة البيئة على البنزين في الشمال الامريكي تتجاوز في بعض الاحيان 25 % من سعر اللتر الذي يباع في محطات الوقود وهلم جرا على المنتوجات الصناعية الاخرى. اضف الى ذلك الرغبة في الحصول على منتوجات مناسبة بيئيا وهي ما يطلق عليها Friendly Environment Products والتي تكون اسعارها اكثر مقارنة مع مثيلاتها التي تفتقر الى مواصفات بيئية خاصة. وكمثال آخر, ففي الاونة الاخيرة دخلت مفاهيم حماية البيئة في نظام المباني ايضا من خلال ما يعرف بـLEED (Leadership Energy and Environment Design) , والذي يسعى الى نشر مفهوم انظمة البناء الخضراء من خلال استخدام موارد ومستلزمات بناء وانارة وتدفئة وتبريد وغيرها مما يدخل في العمل الانشائي مقبولة ومصدقة من قبل الهيئات المشرفة على المحافظة على البيئة.
ناهيك عن التنافس الذي يحصل بين الدول الصناعية والكبرى من اجل استنباط منتوجات تخلو من تأثيرات ضارة على البيئة.

الحفاظ على البيئة مسؤولية مشتركة

ان مسؤولية محاربة التلوث البيئي لاتقف عند حد الجهات المسؤولة والمنظمات الحكومية والشعبية فحسب بل تتعداها لتشمل الجميع, انطلاقا من حقيقة ان المتضرر النهائي هو المسبب الاول للتلوث اي الانسان نفسه, فالى جانب التشريعات الحكومية والضوابط والانظمة المحلية والنماذج السلوكية الاجتماعية, على الفرد ذاته ان يمارس مسؤولية الحفاظ على البيئة بدءا بالممارسات اليومية المختلفة (مثل الامتناع من استخدام اجهزة ومعدات تنتج غازات وابخرة ضارة, تجنب احراق النفايات واستخدام حاويات خاصة بها, الاذعان للتحذيرات المناخية, عدم رمي النفايات في الانهار وبالقرب من مصادر المياه, والحذر من استخدام المبيدات الكيمائية في الحدائق والمزارع, القيام بزراعة الاشجار والخضروات على قدر المستطاع,.... الخ)
ان هذه الممارسات الحضارية وغيرها تساهم في عملية الحفاظ على البيئة وبالتالي توفر مكانا اكثر امانا للعيش كما انها تنتمي في الانسان الشعور بالمسؤولية الاخلاقية والاجتماعية تجاه الاخرين. اضف الى ذلك هو حقيقة ان تتظافر كل الجهود في المجالات الخدمية ( النظام العام والخاص) والحكومة وادارات التشريع وصنع القرار لمجابهة خطر التلوث والازمات البيئية. كما ان الامر يتطلب ادارة وتنظيم وتنسيق على المستوى العالم كله لما لهذ المسألة من ابعاد في كل الاتجاهات.

الهوامش:-
1. البحث المقدم من قبل السيد لعيبي خلف " محاسبة التلوث البيئي". ( بغداد – 2009)

2. Sustainable Development: هو منع بعض الجهات (شركات, دول, جماعات .....الخ) من الحصول على بعض انواع التكنولوجيا تجنبا لاستغلالها بشكل سلبي, وهو ايضا يعني التطور المصحوب بضوابط معينة.

3. في هذه يمكن ايضا الدهاء الاستعماري في اتخاذ المواقف المزدوجة تجاه الاخرى, فيمنعون لغيرهم ما يسمحون لانفسهم. لكن من ناحية اخرى فان جميع مطالب بالممارسة المسؤولة عند اقتناء التكنولوجيا.

4. في الحقيقة ان مؤتمر الامم المتحدة حول " البيئة الانسانية" والذي انعقد في مدينة ستوكهولم بالسويد عام 1972 يعتبر الاول من نوعه الذي ناقش مسائل متعلقة بالبيئة وتأثيراتها على رسم البيانات الاقتصادية والاجتماعية



المهندس
وميض شمعون آدم
تورنتو-كندا