الحاج أحمد هو جدّي
إنّه الآن شيخٌ في الثمانينَ من عمرهِ وعلى الرّغمِ من مرضِه
فجسمهُ ما يزالُ قوّياً وعيناهُ الزّرقاوانِ تلمعانِ ذكاءً
أذكرُ أنّه طيلةَ فصلِ الشّتاء كان يستيقظُ عند آذان الفجر
يتوضأ يصلّي يلبَسُ ثيابَه
يضعُ كوفيّته البيضاءَ
وفوقَها يثبّتُ عقالَه الأسودَ المبروم ثمَّ يذهبُ إلى معصرة الطحينة والحلاوة
والمعصرةُ مبنيةٌ من الحجارةِ والطّين على شكل أقواسٍ وألذّ شيء فيها دفئها
فالجوّ في الخارج بردٌ ومطرٌ وفي الدّاخلِ حلاوةٌ ساخنةٌ طريّةٌ يقدّمُها جدّي للضّيوف بعد أن يرشَّ فوقَها حبّةَ البركة
ويستمرّ جدّي في عمله طيلةَ الشتاء وتتوالى الفصولُ
وأذهبُ إلى خدمةِ العلم
وفي أوّلِ إجازةٍ أزورُه أحكي له عن حياتي
العسكريّة وأصدقائي الجُدد وبالأخصّ صديقي سمير الذي ك
ان يعملُ صانعاً للعقالات قبلَ خدمةِ العلم
قال جدّي: أريدُكَ أن تأخذَ عقالي وتعطيه لصديقكَ
كي يُخفي العقدة أيّةَ عقدةٍ يا جدّي
أنزلَ جدّي العقالَ عن رأسِه
وقال: هذه إنّها تُضايقُني عندما أضعُه
فعلاً عقدةٌ كبيرةٌ ومزعجةٌ حاضر
وفورَ وصولي إلى القطعة العسكرية أعطيتُ العقالَ لسمير
وشرحتُ له القصّة نظر سمير إلى العقال وقال:
ما رأيكَ أن تُهدي جدَّكَ عقالاً جديداً عندي الكثير
وهذا العقال تَرميه
بعد أسبوعٍ أحضر سمير العقالَ الجديد أخذتُه شاكراً
ثمَّ أمسكتُ القديم وخرجتُ من الغرفة كي أرميه
فجأة توقفتُ كيف أرمي عقالَ جدّي الّذي كان يضعُه على رأسِه
كيف أرمي العقالَ وقد أوثقَ به جندياً فرنسياً حاولَ هدمَ معصرته
كيف أرميه وكان على رأسه أيامَ النّصرِ إكليلاً منَ الغار
عدتُ إلى غرفتي وبجانب خوذتي المعلّقةِ على الحائط علّقتُ العقالَ
عندما جلستُ قبالةَ الحائطِ أحسستُ بطعمِ الحلاوة في فمي حلاوةٍ
طريّة ساخنة هي من صنعِ جدّي بالتأكيد