Dr_Ettaik المدير العام
عدد المساهمات : 354 نقاط : 592 تاريخ التسجيل : 10/12/2011
| موضوع: حقوق الإنسان أهم مكونات المناهج الجديدة الخميس فبراير 09, 2012 1:45 pm | |
|
حقوق الإنسان أهم مكونات المناهج الجديدة
يمكننا أن نجد ما يؤسس مشروع "التربية على حقوق الإنسان"، في استجابة هذا المشروع لأحد مقتضيات التربية الحديثة، و يتعلق الأمر بانفتاح المدرسة على المحيط و ارتباطها به، إذ أن الانطلاق من المدرسة كمجال لتعليم ثقافة حقوق الإنسان و تعلمها، هو أمر سيجعل المدرسة تنفتح على تصورات و قيم وسلوكات سائدة في المحيط الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي للمتعلمين، سواء اتخذ هذا الانفتاح صورة تعزيز إيجابي أو صورة مساءلة سالبة نقدية، انطلاقا من حقوق الإنسان الطبيعية و الثقافية و الاقتصادية و المدنية و السياسية كمعيار و مقياس لذلك التعزيز و المساءلة.
على ضوء هذه الاعتبارات، لم يكن كافيا الاهتمام بموضوع "حقوق الإنسان" في المناسبات و الاحتفالات ببعض الأيام، مثل يوم الإعلان العالمي أو يوم الطفل أو المرأة أو التسامح، بل يلزم أن يتحول إلى اهتمام يومي هادف و مسؤول و عقلاني و منظم. ومن هنا تأتي أهمية اتفاقية التعاون بين وزارة التربية الوطنية و الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان، و فائدة برنامجها المشترك، و الذي يلزم الطرفين بالتعامل الجدي و المستمر مع موضوع "حقوق الإنسان". و قد يكون مفيدا، في هذه المرحلة الانخراط في عمليتين: - الأولى: التعريف بالتربية على حقوق الإنسان، من حيث مدلولها، ومقاصدها، واستراتيجية اشتغالها. - الثانية: تدارس الإشكالات و التساؤلات التي تثيرها التربية على حقوق الإنسان و البحث عن كيفية تجاوزها. إن الانخراط في ذلك سيكون كفيلا بأن يجعل الفاعلين التربويين بالتربية على حقوق الإنسان اشتغالا واعيا و واضحا، كما يفتح المجال لمساهمتهم في تعبيد الطريق لهذه التربية، كي تحقق أهدافها من داخل الوسط التربوي. إن الاتجاه إلى تعزيز حقوق الإنسان من داخل العملية التعليمية، و في إطار الممارسة التربوية، هو ما ينعت اليوم بـ"التربية على حقوق الإنسان"، L’éducation aux droit de l’homme، و هو اتجاه لا يقصد تعليم معارف و تصورات حول حقوق الإنسان للأطفال و المتعلمين، بقدر ما يرمي إلى تأسيس القيم التي ترتبط بتلك الحقوق. يتعلق الأمر، إذن بتكوين شخصية للطفل المتعلم تتأسس نظرتها إلى الحياة و وجدانها و مشاعرها على ما تقتضيه ثقافة حقوق الإنسان من ممارسات و علاقات بين الأفراد، ثم بين الفرد و المجتمع. و السنوات الأولى من التعليم المرحلة الابتدائية إلى بناء مشاعر الثقة والتسامح الاجتماعي. فهذه المشاعر هي أساس كل الثقة المرتبطة بحقوق الإنسان. و هكذا جاز اعتبار تربية حقوق الإنسان تربية عمل أكثر مما هي تربية نظر، و ذلك من حيث إن الغرض المتوخى فيها هو مساعدة الصغار على تفهم الحقوق و الواجبات بغية تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على أكمل نظام في وجودنا البشري. مما تطلب من المدرسين أن يفعلوا ما هو أكثر من مجرد ترديد درس محفوظ لكي تدب الحياة في هذه الأفكار... عندئذ يمكن للمدرسين و للتلاميذ ممارسة هذه المبادئ بدلا من تدريسها بمجرد الفم أو محاكاتها"كما جاء في كتاب مبادئ تدريس حقوق الإنسان" الصادر عن الأمم المتحدة (1989). يتضح، إذن، أن تدريس حقوق الإنسان يعني تأسيس هذه الحقوق كقيم على مستوى الوعي والوجدان و المشاعر، و كسلوكات عملية على مستوى الممارسة. و ينطلق هذا التعليم القيمي من أقرب مجال له، و هو حجرة الدرس، و البيئة المدرسية، و من ثمة يؤسس تعزيز موضوع اشتغاله، أي حقوق الإنسان، في الفضاء المجتمعي العام خارج المدرسة، في البيت، في الشارع، في مختلف المرافق، و مع مختلف الفئات الاجتماعية. و لعل ذلك ما يسمح باستنتاج أن التربية على حقوق الإنسان ترمي إلى تكوين المواطن المتشبع بالقيم الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان، القادر على ممارستها في سلوكه اليومي من خلال تمسكه بحقوقه و احترامه لحقوق غيره، الحريص على حقوق و مصالح المجتمع بقدر حرصه على حقوقه ودفاعه عنها. انطلاقا من هذه المعطيات التي تم تسجيلها حول تعزيز هذه الحقائق عبر التربية و التعليم، يمكن أن نخلص إلى اقتراح بعض المميزات التي تسم التربية على حقوق الإنسان، و تحديد طبيعتها و هويتها. كما يلي: أ. تربية إنسانية: إن التربية على حقوق الإنسان هي تربية ذات نزعة إنسانية، من حيث هي تربية تتجه إلى توعية الإنسان بحقوقه، و إلى تعزيز هذه الحقوق باعتبارها تشكل الماهية الحقيقة للإنسانية، و هي طبيعة هذه الذات ككائن بشري متميز. إن هذه التربية، إذن، هي تربية من أجل الإنسان، من أجل ما يحقق له ماهيته و جوهره. ب. تربية تنويرية عقلانية: إن التربية على حقوق الإنسان هي تربية تصدر عن نزعة تنويرية عقلانية، من حيث إنها تؤسس خطابها الإنساني على مفاهيم تنويرية، كالذات و العقل، كالحرية و التسامح و الاختلاف و الكرامة و المساواة و الديمقراطية...و من خصائص هذا الجهاز المفاهيمي أنه يعبر عن الاتجاه إلى تشييد فكر تحرري، ينطلق من ذات الإنسان ككائن عاقل، و يقصد تنوير الأفكار ج. تربية نقدية: إن التربية على حقوق الإنسان ذات بعد نقدي، إذ تنزع إلى إعادة النظر في مختلف القيم و المبادئ و السلوكات التي تنافي حقوق الإنسان، و التي تعوق ممارسة هذه الحقوق و احترامها. إنها تربية تعلن عن تغيير عميق للممارسات التقليدية للتعليم، و تنادي بتغيير أعمق في وظائف المؤسسة التعليمية، و في كثير من أساليب التفكير. و قد عبر عن ذلك أحد الباحثين بقوله:"إن التربية على حقوق الإنسان هي تحويل ثقافي عميق" (A.Audiger). د. تربية حديثة: و تتسم التربية الحقوقية بسمة تجعلها متناسبة مع التربية الحديثة، و ذلك من حيث إنها تربية تتضمن مبدأ تفتح شخصية المتعلم (المواطن) على المحيط الذي تعيش فيه. فأن تقصد التربية الحقوقية تكوين مواطن يؤمن بقيم حقوق الإنسان، و يحترمها، و يعترف بحقوق الآخرين، و يرفض ما ينافي هذه الحقوق لدى الفرد و المجتمع، و يسلك سلوكا يطابقها و يعززها..، فإنما هي بذلك ترمي إلى أن تكون شخصية المتعلم (المواطن) شخصية منفتحة بوعي على محيطها، و تتفاعل إيجابيا مع هذه المحيط، و ما يتكون منه من أفراد و مؤسسات و قوانين... ...تلك، إذن، نظرة موجزة عن التربية الحقوقية و أهميتها و خصائصها من حيث هي عنصر ضمن مستجدات منظومة التربية و التكوين بالمغرب، راهنا... و سنهتم في الورقة القادمة بمسألة التدريس المندمج لثقافة حقوق الإنسان عبدالمجيد الانتصار جريدة الصباح عدد1149 ليوم 18/12/2003
التدريس المندمج لثقافة حقوق الإنسان
بعد تناول الورقة السابقة (18/12/2003 )لمفهوم التربية على حقوق الإنسان، باعتبارها نموا جوهريا في بنية المناهج و البرامج و الجديدة، و لخصائصها المميزة لها،... ستهتم ورقة اليوم بالأسلوب البيداغوجي المقترح لترسيخ ثقافة الحقوق داخل الوسط المدرسي. و ننطلق من المقومات.
- إن"التربية على حقوق الإنسان" و انطلاقا من تسميتها، هي تربية: EDUCATION، و ليست تدريسا أو تعليما، (ENSEIGNEMENT) و من ثمة فإن المستوى البيداغوجي لهذه التربية لا يتجسد بالضرورة في مادة تعليمية معينة و مستقلة. - إن مقصد هذه التربية ليس هو تلقين المعارف، بل هو ترسيخ قيم ومواقف و سلوكات لدى المتعلم، و من ثمة فإن تلك الثقافة ليست مادة مستقلة توجد خارج غيرها من المواد، بل هي مكون يوجد داخل كل مادة. انطلاقا من التفكير في هذه العناصر تبلور نعت المستوى البيداغوجي للتربية الحقوقية بما أطلقنا عليه: "التدريس المندمج لحقوق الإنسان".إن الاتجاه إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في البرامج الدراسية يضعنا في قلب المستوى البيداغوجي التدريسي، من جهة أولى، بينما لا تستقل تلك الثقافة بذاتها كمادة ذات بناء مستقل، من جهة ثانية، مما يؤدي إلى القول بأسلوب "التدريج المندمج" كأسلوب تعليم بيداغوجي يدخل قيم حقوق الإنسان في بنية المواد الدراسية، و يفتح فكر المتعلم و سلوكه، عبر هذه المواد، على قيم الكرامة و المساواة و الحرية و المواطنة و الاختلاف، و غير ذلك من الحقوق المختلفة للإنسان. لا يتعلق الأمر، و نحن نفكر في المستوى البيداغوجي للتربية الحقوقية، ببناء منهاج لمادة دراسية مستقلة، و لا بإعداد برنامج و كتاب مدرسي خاص بهذه التربية، و لا بتهييء جذاذت تقنية لدروسها، ليس الأمر كذلك، و إنما يقصد دمج ثقافة حقوق الإنسان في كل مادة دراسية، فتصبح جزءا من برنامج كل مادة، و تشتغل مكانا ما في كتب كل مادة، كما تكون حاضرة في صياغة أهداف كل مادة، و تكون في موقع الاعتبار بالنسبة إلى طرق تدريس كل مادة، أي أن القيم و المبادئ و الحقوق، التي تقصد تربية المتعلمين عليها، ستتماهى في كل مادة تعليمية، فتعدو من صلبها. هكذا إذن، يتجه التعامل البيداغوجي مع التربية على حقوق الإنسان إلى أن تدمج هذه الحقوق في ديداكتيك كل مادة من موادنا الدراسية، و يذهب هذا الدمج إلى أن تحضر حقوق الإنسان في نسق كل مادة، من مستوى أهدافها حتى أساليب تقويمها. كما يمتد هذا الحضور من مستوى تدريس المادة إلى مستوى التأطير فيها، فلا يكون دمج ثقافة حقوق الإنسان في المواقع الممكنة من براج البرامج فقط، و لا في وسائلها و طرقها و جذاذاتها فحسب (التدريس)...، بل يكون ذلك الدمج أيضا في مختلف العمليات التي يمارسها الإشراف التربوي لكل مادة تعليمية، إذ تصبح حقوق الإنسان حاضرة كموضوع في التنشيط التربوي (ندوات-دروس تطبيقية)، و في التأطير التربوي (توجيه المدرس)ن و في المراقبة التربوية (تقويم عمل المدرس). يبدو واضحا، إذن، أن، التدريس المندمج لحقوق الإنسان يتأسس على النظر إلى المواد الدراسية كدوائر مستقلة عن بعضها، و تختلف عن بعضها، من حيث محتوياتها و أهدافها الخاصة و و سائلها، و أساليب تقويمها و تأطيرها، و الأسلاك و المستويات و الشعب الموجه إليها...، و لكن قيم حقوق الإنسان هي عنصر يوجد داخل كل هذه الدوائر (المواد)، و يبرز كعنصر مشترك بينها، يجعلها موحدة و متكاملة. و بهذا المعنى، و خلف اختلاف المواد التعليمية، يوجد تكاملها في توجهها إلى انفتاح شخصية المتعلم على حقوق الإنسان، و إلى ترسيخ هذه الحقوق في سلوكه و مواقفه. إن منحى التدريس المندمج، في مجال تربية حقوق الإنسان، يقتضي الاهتمام بأمرين: - توحيد التصور العام للتربية الحقوقية، بين جميع المواد الدراسية، من حيث ما تقصد إليه تلك التربية من ترسيخ لقيمها و مبادئها في ذهن المتعلم (المواطن)، و في سلوكه و مواقفه. - توحيد الأسلوب البيداغوجي التعليمي، أو طريقة التدريس، بين جميع المواد الدراسية، لكي تتسم هذه الطريقة بسمات الانفتاح و التحرر، من طرف المدرس، و بسمات المساهمة الفاعلة و الإنتاج الذاتي، من طرف المتعلم. ...هكذا، إذن، سيكون من شأن التدريس المندمج أن يجعل كل مادة دراسية تستلهم ثقافة حقوق الإنسان، فتصبح جزءا من بنيتها الكلية، و تغدو حاضرة في أهدافها و طرائقها. و قد يسمح هذا المستوى من التحليل بملاحظة أن التدريس المندمج لحقوق الإنسان لا تقلقه خصوصيات المواد الدراسية، و لا يشوش عليه تباين مضامينها و مواضيعها، و ذلك من حيث إنه أسلوب بيداغوجي لترسيخ القيم الحقوقية في ذهن المتعلم و سلوكه، وهو أمر يقصد تحقيقه داخل فضاء الفصل الدراسي، و عبر العلاقات و التفاعلات الممكنة بين مختلف مكونات ذلك الفضاء، سواء كانت مادة الدرس أدبية أو علمية، و سواء كانت لغة الدرس عربية أو غيرها، ودون تمييز بين الأسلاك التعليمية و الشعب الدراسية. إذا كان ذلك كذلك، و صح أن التدريس المندمج لثقافة حقوق الإنسان هو أسلوب تدمج بواسطته المواد الدراسية قيم تلك الثقافة ضمن أهدافها و طرق تعليمها، و أنه بذلك تقبل كل مادة دراسية أن تكون حاملة لقيم تعلي من كرامة الإنسان و حريته، وعيا وسلوكا، فإنه يلزم أن لا تحصر المواد الحاملة لحقوق الإنسان في مواد معينة دون أخرى، بل يلزم توسيع قاعدة التربية الحقوقية لكي تضم جميع المواد الدراسية. فهذا التعميم سيكون كفيلا بتحقيق ما يلي: - توسيع المجال البيداغوجي لترسخ ثقافة حقوق الإنسان. - ضمان انسجام جميع المواد (الخطابات) التي يستقبلها المتعلم من حيث تصورها للإنسان و قيمته. نخلص، في هذا الفصل، إلى أن هذا المستوى البيداغوجي للتربية على حقوق الإنسان يتجسد في ممارسة هذه التربية من داخل العملية التعليمية التعلمية، و ذلك بواسطة ما أطلقنا عليه التدريس المندمج، الذي نحدد أسسه و أبعاده في ما يلي: - قابلية المواد الدراسية المختلفة لاستلهام قيمة ثقافة حقوق الإنسان و مبادئها. - اشتراك المواد الدراسية المختلفة و وحدتها في انسجام أهدافها الخاصة و طرق تعليمها مع روح الثقافة الحقوقية الإنسانية. - توحيد التصور الناظم لتعامل المواد الدراسية مع حقوق الإنسان، تحقيقا لانسجام ما يترسخ لدى المتعلم (المواطن) بصدد قيم الكرامة و الحرية و التسامح و المواطنة...، و غير ذلك من الحقوق. - تحويل فضاء الفصل الدراسي، من حيث سلوكات المدرس و المتعلم، و من حيث تفاعل عناصر القسم مع بعضها، ثم مع المادة الدراية، و مع أسلوب العمل،... تحويله إلى فضاء لترسيخ حقوق الإنسان على مستوى الوعي و السلوك، بالنسبة إلى كل فرد، و كذلك داخل جماعة القسم. عبدالمجيد الانتصار جريدة الصباح عدد رقم: 1155 بتاريخ:25/12/2003 الصفحة:8
| |
|