نظرَ عبدُ الهادي إلى سامحٍ شقيقِ صديقهِ سعيدٍ يخرجُ منَ المدرسةِ فأسرعَ إليهِ بغضبٍ وهوَ يقولُ لهُ : ويلك يَا سامح .. سوفَ أنتقمُ منك ..
وقبلَ أنْ يصلَ إليهِ أدركَهُ المعلّمُ حمدانٌ فأمسكَ بهِ وهوَ يقولُ : تمهَّل يا عبدَ الهادي .. تمهَّل .. لماذا تُريدُ أنْ تضربَهُ ؟
قالَ عبدُ الهادي وهوَ يبكِي: انظُرْ ماذَا فعلَ أخوهُ سعيدٌ.. لقدْ أوقعَني على الأرضِ فتلوَّثتْ ثيابي بالوحلِ .. ولا بُدَّ أنْ آخُذَ بثأري مِنْ سَامحٍ الآن ..
قال المُعلِّمُ: ولكنّ سامحَ لا ذنبَ لهُ ، ورُبَّما لا يرضَى عنْ فعلِ أخيهِ ..
عبدُ الهادي : ولكنَّهُ أخوهُ .. وإذَا عاقبتُهُ فلنْ يعودَ سعيد لفعلِ ذلكَ مرَّةً أخرى معي..
قال المعلِّمُ حمدانُ: ولكنّ الله لا يرضى عنْ هذَا التصَرُّف يا عبدَ الهادي، فقدْ قال في كتابه : (ألا تزرَ وازرةٌ وِزرَ أخرى) ، وقال: ( كلّ نفسٍ بمَا كسبَتْ رهينة)، أي لا يجوزُ محاسبةُ أحدٍ على ذنبٍ فعَلَهُ غيرُه حتّى لو كانَ قريباً منْ أقربائه ..
التفتَ المعلِّمُ نحوَ سامحٍ، ودعاهُ قائلاً: أقبلْ يا بُنيَّ فسأحكي لكُما حكاية ..
اقترب سامحٌ، ووقف بالقربِ منْ عبدِ الهادي، فقال المعلِّمُ : في قديمِ الزمانِ طلبَ أحدُ الأمراءِ منْ جنودِهِ القبضَ على رجلٍ هاربٍ بسببِ ذنبٍ فعلهُ، فذهبَ الجنودُ إلى منزلِ الرجلِ فلمْ يجدوهُ، ووجدوا أخاهُ في المنزلِ فسألوهُ عنهُ فأنكرَ أنهُ يعرفُ مكانهُ فأمرَ قائدُهُمْ بأخذِه مكانَ أخيهِ الهاربِ، فقالَ لهُمْ الرََّجلُ : ومَا ذنبي أنا؟ فذكرُوا لهُ أنَّ ذلكَ أمرُ الوالي، فذهبُوا بهِ إلى الوالي، فقالَ لهُ : لا بُدَّ أنّكَ تعرفُ مكانَ أخيكَ، لذلكَ سوفَ نقومُ بحبسِكَ حتّى تُخبرَنَا عنْ مكانِهِ..
قالَ الرَّجُل: وإنْ جئتُكَ بكتابٍ منْ أميرِ المؤمنينَ بإطلاقِ سراحي، هل تفعَلْ ؟
قالَ الوالي: كتابٌ منْ أميرِ المؤمنينَ .. بالطبعِ سوفَ أطلقُ سراحِكَ .. فأينَ الكتاب ؟
قال الرَّجلُ : فإنّي آتيكَ بكتابٍ منْ ربِّ العالمينَ يا موْلايَ، ويشهدُ عليهِ نبيَّانِ منْ أنبيائِهِ .. قالَ تعالى : ( أمْ لمْ يُنبّأ بمَا في صحفِ موسى، وإبرَاهِيمَ الذّي وفّى، ألا تزرَ وازِرةٌ وِزرَ أخرى) فكيفَ تحبِسُني بذنبِ أخي يا مولايَ ؟
فكَّرَ الوالي قليلاً ثُمّ قال: صدقَ الله العظيم .. لقدْ فهمتُ .. أطلقُوا سراحَه ..
فأطاعهُ الجنودُ وتركوهُ يذهَب ..
سمعَ عبدُ الهادي ذلكَ فطأطأَ برأسِهِ وقال: لقدْ أخطأتُ . أنا آسف يا أستاذ .. أنا آسفٌ يا سَامح
سامحٌ : سامحكَ الله يا عبدَ الهادي ..
وقبلَ أن يتفرَّقُوا إذَا بسعيدٍ يأتي على درَّاجتهِ ، فوقفَ بالقربِ منْ عبدِ الهادي وقالَ لهُ : سامِحنِي يا صديقي .. لقدْ أخطأتُ بحقّك .. ولكنْ صدّقني لم أكُنْ أقصِدْ.. فقدْ كنتُ مُسرعاً ولمْ أنتبِهْ لك .. ولمّا رأيتُكَ غاضِباً هربتُ خوفاً منْ أنْ تقعَ بينَنا منازعةٌ شديدةٌ .. وجئتُ الآنَ لأنّي اعتقدتُ أنّ غضبكَ قد سكنَ ولنْ تؤذِيَني ..
عبدُ الهادي : قدْ سامحتُكَ يا سَعيد .. ولكن عليْكَ أنْ تنتبِهَ للآخرينَ فلا تصدمهُمْ بسببِ سرعتِكَ وتهوُّركَ ..
المعلِّم : هذَا هوَ التصرُّفُ الصحيحُ الذي يُرضي الله عزَّ وجل .. أحسنتُمْ يا أولادي .. هيّا الآن لتعودُوا إلى منازلِكُم ..
[b][center]