خرج أيمنُ – وهو صبيٌّ في العاشرةِ من عُمُرِه- ليشتريَ لأمِّه من" بقالية "الحيِّ
بعضَ الأشياءِ التي طلبتْها منه، وما كادَ يمشي قليلا ً حتى رأى طفلةً صغيرةً لا تكادُ تتجاوزُِ الرابعةَ من عُمُرِها ، مستندةً إلى الحائطِ وهي تبكي بكاء ً شديداً .
اقترب أيمنُ من البنتِ وقد تألَّم لبكائِها ،وسألها :
- لماذا تبكينَ أيتُها الصغيرةُ ؟
قالتِ الصغيرةُ وهي تحاولُ أن تكفكفَ دموعَها:
- سقطتْ مني عشرةُ الرِّيالاتِ التي أعطتْني إياها أمي حتى أشتريَ لها بعضَ الأشياءِ..
قال أيمنُ :
- وهل بحثتِ عنها ؟
قالتْ الصغيرةُ:
- بحثتُ عنها طويلاًََ .. و لكني لم أجدْها .
قال لها أيمنُ:
- وهل يجعلُك هذا تبكينَ كلَّ هذا البكاءِ؟
قالتِ الطفلةُ الصغيرةُ:
- أخشى أن تغضبَ أمي مني؛ فهي لم تكنْ تريدُ إرسالي لأني صغيرةٌ، ولكني أصررتُ ووعدتُها بالمحافظةِ على المالِ.
أشفق أيمنُ على الطفلةِ الصغيرةِ، ومدَّ يدَه إليها بعشرةِ ريالاتٍ ممّا كان معه، وقال لها :
- حسناَ .. خذي هذه بدلاََ منها..
غضبتِ الصغيرةُ، وابتعدتْ عن أيمنَ وهي تقولُ :
-أشكرك .. أنا لا آخذ شيئاَ من أحد، هكذا علَّمني أبي وأمي ..
وأرادتِ الصغيرةُ أن تنصرفَ، فقال لها أيمنُُ - وقد أُعجِب بعزةِ نفسِها وكرامتِها:
- - حسناَ .. أرجو ألا تغضبي مني .. سأبحثُ لكِ عن ريالاتِكِ .. أين سقطتْ منك؟
أشارتِ الصغيرةُ إلى مكانِ سقوطِها ، وهي تقولُ بيأسٍ :
- سقطتْ مني في هذا الموضعِ.. وما أظنُّ أنك ستجدُها. لقد بحثتُ عنها طويلاَ ، ولم أجدْ شيئاَ .. كأنّ الأرضَ بلعتْها .
راح أيمنُ يبحثُ في كلِّ مكانٍ، ولكنه لم يجدْ شيئاَ. وكان يريدُ مساعدةَ الصغيرةِ بأيةِ صورةٍ ، فلَمعتْ في رأسِه فكرةٌ نفَّذها على الفور؛ أخرجَ من جيبهِ عشرةَ ريالاتٍ، وابتعدَ إلى مكانٍ بعيدٍ، ثمَّ انحنى إلى الأرض متظاهراَ بالبحث فعفّرَ القطعةَ النَّقديةَ بالترابِ، ثم انطلقَ مبتهجاَ نحوَ البنتِ الصغيرةِ وهو يصيحُ بفرحٍ :
- الحمدُ للهِ .. الحمدُ للهِ ها هي ذي عشرةُ ريالات. تفضَّلي خُذيها.
نظرتِ الصغيرةُ إلى قطعةِ الريالاتِ وقد أشرقَ وجهُها بالبهجةِ، ثم لمعتْ في عينيها فرحةٌ، ومدتْ يدَها تأخذُها وهي تقولُ لأيمنَ :
- شكراً لك أيُّها الولدُ الشهمُ . شكراَ .. سأدعو لك بالتوفيقِ..
وانطلقتْ إلى غايتِها، وهي تكادُ تقفزُ من السرورِ ..